هل تحب أن تصبح مليونيرا»؟، «لو عايز تكسب نصف مليون جنيه فى اقل من 10 أشهر ادفع 500 دولار وانضم لينا»، ليست هذه دعاية لأحد برامج المسابقات، لكنها طريقة للتربح السريع عبر الانترنت أو ما يسمى «التسويق الشبكى».
المصطلح الذى أصبح الأكثر شهرة بين أوساط الشباب المصرى فى الشهور الاخيرة، خاصة بين أولئك الذين يرغبون فى تحقيق عوائد مالية كبيرة فى وقت قصير، بدأ انتشاره تدريجيا قبل 7 سنوات، وهو يتلخص فى دفع المشترك 500 دولار مقابل حصوله على منتج معين، ثم يعاود تحصيل المبلغ من الشركة بشكل متقطع شهريا.
تلك العملية التى تبدو بساطتها وسهولة تنفيذها بمجرد أن يشرحها أحد المشتركين فيها إلى زميل له، تغرى الآخر فى الانضمام اليها، حيث إنها لا تتطلب منه سوى المجازفة بمبلغ صغير فى البداية، واشتراك الانترنت، ثم توسيع شبكة علاقاته وقدرته على جذب آخرين، واقناعهم بالتسويق معه، حتى تزيد أرباحه.
ورغم أن تلك العملية انتشرت منذ عام 2005 تقريبا، فإن الجهات الرقابية أعلنت مؤخرا ان هناك شركات أجنبية تقوم بغسيل أموالها عن طريق «التسويق الشبكى»، وانها تستغل الشباب فى الترويج لها، ثم أعلنت مباحث الاموال العامة منذ أيام أن هناك 8 شركات تعمل بالتسويق الشبكى تم ضبطها بعد ان استولت على 96 مليون دولار من المواطنين والنصب عليهم، وضمت هذه الشركات فى قائمتها عددا كبيرا من لاعبى الكرة والفنانين والمطربين والمشاهير ورجال الشرطة.
بعد انتشار عملية التسويق الشبكى أصدرت دار الافتاء فتوى بتحريم العمل بها وذكرت فى فتواها «هذه المعاملة حرام شرعا لعدم سلامتها من المحاذير، ولجوئها إلى ممارسات غير اخلاقية»، اعتبرتها الافتاء وسيلة غير شرعية للربح تخالف شروط الكسب الحلال.
إلا أن الشباب الذى وجدها طريقا سهلا للكسب السريع ظل متمسكا بها، ما أدى إلى انتشارها على نطاق واسع. ولم تستطع الأجهزة الرقابية السيطرة عليها رغم مساهمتها بشكل كبير فى اختفاء الدولار، وارتفاع سعره فى السوق السوداء، وضرب الاقتصاد المصرى.
الدكتور مختار الشريف استاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، قال إن أى تداول مادى بين المواطنين دون رقابة، خصوصا اذا تم عبر تسلسل هرمى، يقع تحت طائلة المخالفات، لان تلك المعاملات تصبح خارج إطار القوانين المنظمة.
وما يزيد الامر تعقيدا أن الشركات التى تعمل فى التسويق الشبكى شركات أجنبية غير معروف هويتها، واحتمالات قيامها بغسيل اموالها داخل مصر قائم، على حد قوله، مشيرا إلى ان فرنسا استطاعت ان تضع قوانين تنظم أى عملية الكترونية، وأن أى عمل يهدف إلى الربح لابد أن يخضع للقانون، حتى لا يتم التلاعب بأموال المواطنين، «كما حدث وسمعنا مؤخرا عن نصب بعض الشركات الوهمية على الشباب، واصبحوا ضحايا دون وجود أى مستند قانونى، يثبت حقهم لدى الشركات».
وذكر الشريف ان نظام التسويق الشبكى تسبب فى انهيار الاقتصاد الالبانى، وتسبب فى حالات العصيان المدنى التى كادت أن تتحول إلى حرب اهلية، لولا تدخل الامم المتحدة عام 1997، بعد ان خسر ثلثا الشعب الالبانى 1.2 مليار دولار بسبب التعامل بنظام التسويق الشبكى.
وأضاف الخبير الاقتصادى أن السبيل الوحيد لمنع مثل هذه الجرائم هو توعية المستهلكين لعدم الوقوع فى هذا الفخ، خاصة أنه من الصعب الآن تحديد جانب التلبس فى مثل هذه القضايا، حيث تتم فى فضاء غير محدد المعالم.
«ن ــ ح» كان يعمل بالتسويق فى شركة «كيو نت»، وهى اكبر شركة فى مصر تضم اكثر من 150 الف عضو، ويبلغ حجم تداولها 75 مليون دولار، يتم تحويل كافة المبالغ لحساب الشركة بالخارج بواقع 500 دولار للعميل الواحد.
تعمل الشركة بحسب كلام «ن ــ ح» بنظام التسلسل الهرمى رغم فتوى الازهر بحرمانية التعامل بهذا النظام، «لا توجد أى رقابة لان هذه الشركات تعمل دون أى سجل تجارى، أو ترخيص، وتعمل فى العلن، وتضم فى قائمتها العديد من رجال القضاء والشرطة»، بحسب كلامه.
أما يوسف محمد مسئول التدريب بشركة التسويق الشبكى «هاتون»، فقال «قانونا البيع الهرمى ممنوع بنص قانون فى عدد من الدول، إلا أن الشركات الجديدة التى تنشأ تتحايل دائما فى إخفاء طريقة عملها، ويظل الضحية هو الوحيد الذى بإمكانه كشف ذلك. لكن أمام عدم معرفة أعضاء هده الشركات بعدم قانونية عمل الشركات فانهم غالبا ما يزالون فى دوامة البيع الهرمى، ويسعون لجلب ضحايا جدد حتى يتمكنوا من استرجاع استثمارهم الأصلى، مما يجعل من الصعب اكتشاف هذه الشركات ومتابعتها قضائيا».
واوضح أن جميع الشركات المصرية التى تعمل بالتسويق الشبكى ليس لها أى ترخيص بمزاولة هذا النشاط لكنها فى الأصل شركات استيراد وتصدير، أو شركات لمنتج معين تقوم بعمل ترويج لها من خلال التسويق الشبكى، وتحصل على اموال كبيرة دون ان تدفع ضرائب أو تكون مراقبة من جهة معينة، لذلك تستغل حاجة الشباب وتقوم بجمع الاموال والنصب عليهم.
ابراهيم جاد الله خبيراقتصادى قال «حجم تعاملات شركات التسويق الشبكى فى مصر قد يصل إلى 3 مليارات جنيه، وتقوم بتحويل الكثير من أموال عملائها بالخارج، وبذلك تؤثر على الاقتصاد المصرى، وخروج العملة الصعبة من البلد»، مشيرا إلى أن عدد الشركات الاجنبية والمصرية التى تعمل فى هذا المجال فى مصر لا يمكن حصرها لانها لا يوجد لها أى سجلات تجارية، أو مقار للشركة، وغير معروف سوى 25 شركة فقط.
وحذر جاد الله من خطورتها لمساهمتها بشكل كبير فى اختفاء الدولار، وارتفاع سعره فى السوق السوداء، وضرب الاقتصاد المصرى.
واضاف الدكتور شريف دلاور الخبير الاقتصادى أن بعض شركات التسويق الشبكى تقوم ببيع الوهم للشباب مثل شركة جلوبال، التى تشترط على العميل ان يشاهد اعلاناتها 8 مرات فى الشهر مقابل 200 دولار شهريا، بعد ان حصلت منه فى البداية على 500 دولار، وبذلك لا تبيع منتجات بل تعطيك «كروت» يمكنك عمل حساب بها على موقعهم الالكترونى، وتشاهد اعلاناتهم، ويكون لك حينها دخل ثابت دون الحاجة أو الضرورة لاقناع غيرك بالاشتراك فى نفس الشبكة.
واشار دلاور إلى أن نصب شركات التسويق الإلكترونى مسلسل تكرر حدوثه خلال السنوات الأخيرة، مستشهدا بمثل شعبى «طول ما المغفل موجود الحرامى بخير».
وأضاف أن هناك نوعا آخر من «التسويق الشبكى» وهو عبارة عن تسويق هرمى يقوم على السمسرة، وهو نظام يقوم على جمع العملاء، وليس على تسويق السلعة التى تعتبر هى القاسم المشترك فى عملية البيع.
وألمح دلاور إلى أن عمليات التسويق الشبكى تشوبها شبهات غسيل الأموال نظرا لانخفاض قيمة السلعة المبيعة عن قيمتها الحقيقية، كما أن معظم هذه الشركات تتخذ من المناطق المشبوهة والعاملة فى التجارة غير المشروعة مقرا لها.
وأشار دلاور إلى عدم وجود قوانين تنظم عمل تلك الشركات، مطالبا هيئة الاستثمار ووزارة الاستثمار بضرورة القيام بحملات توعية للمواطنين، ممن يتعاملون مع تلك الشركات، حتى يتم التحقق من جدية ومصداقية تلك الشركات وموقفها القانونى حتى لا يقع المواطن ضحية.
ولم يسلم نظام التسويق الشبكى من فتاوى الأزهر الشريف، الذى حرم التعامل بمثل هذه النظم خلال فتوى، لما تتضمنه من الربا والغرر، وأكل هذه الشركات لأموال الناس بالباطل، والغش والتدليس والتلبيس، ولأنها تقوم على العمولات وليس بيع المنتج.
جهات كثيرة أصدرت فتاوى التحريم مثل لجنة الفتوى بجماعة أنصار السنة المحمدية، ودار الإفتاء السورية، ولجنة الفتوى بمركز الإمام الألبانى للدراسات، والسعودية، ودار الإفتاء الكويتية التى قالت فى فتواها إن هذه الشركات لا تسوق المنتج وفق قيمته الحقيقية، كما أن الشركة تحصل على الأموال ثم تعيد للمسوقين أموالا غير معلوم مصدرها، من الممكن أن تكون نتاج أنشطة دولية غير مشروعة مثل «غسيل الاموال».
•••
الدكتور محمود على صيدلى من محافظة قنا كان أحد الذين رفضوا التورط فى عمليات التسويق عندما عرض عليه صديق الانضمام لها، قال «عرض على أحد اصدقائى العمل معه فى شركة «كيو نت»، وأن أضم فئة كبيرة من الصيادلة معى، وعندما فهمت منه كيفية تحقيق المكسب السريع، وبحثت على الانترنت عن هذه الشركة وجدت انها تعتمد على إيهام الشباب بإمكانية تحقيق ثروة فى أقل وقت ممكن، مستغلة فى ذلك ضعف الثقافة، والظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها الشباب. وتستخدم تلك الشركات أساليب نفسية عالمية، يتم تدريب المشتركين عليها لجذب الشباب».
وأشار محمد إلى أن عملية النصب عبر شبكة الانترنت عبارة عن نظام معقد، ونصب جماعى، بحسب تعبيره، يكون الطرف الأول فيه هو الشركة التى تربح ملايين الدولارات، أما الطرف الثانى هو مجموعة الأفراد الذين يخسرون ما يربحه الطرف الأول، «الفكرة تشبه لعبه القمار لذلك رفضت الانضمام لهذه الشركة».
واضاف هذه الشركة مقرها الرئيسى فى ماليزيا وأنشأت لها فروعا عدة فى هونج كونج عاصمة غسيل الأموال وأكبر صالات قمار العالم، وتساءل كيف تجهل الجهات المسئولة فى مصر هذه الشركات؟ وتحذر من التعامل معها؟
وقال يوسف جورج أحد متضررى شركة جلوبال للتسويق الشبكى التى تم القبض على اعضائها فى مصر منذ ايام، «دخولى الشبكة كان على اساس الثقة، خاصة أنها تضم وكلاء نيابة ورجال شرطة هم من اقنعونى ان انضم معهم، واشتركت بمبلغ 60 الف جنيه لكن تم النصب علينا جميعا».
•••
من الناحية القانونية اكد يوسف خلف، المحامى، مخالفة هذه الشركات للقانون لعدم وجود أى ترخيص لها، مشيرا إلى أنها تعمل من الباطن عن طريق شركات لها رخصة انتاج لمنتجات معينة بالسوق المصرى، وبهذا هناك مخالفة قانونية وهى انها لا تخضع شركات التسويق الشبكى للضرائب بالاضافة لعدم وجود أى سجلات تجارية بنشاط هذه الشركات وتعاملاتها المادية.
واتفق بعض رجال القانون والاقتصاد ان هناك شركات أجنبية تقوم بغسيل الأموال عن طريق التسويق الشبكى فى مصر وخاصة ان مصر تمثل 70% من المجتمعات العاملة بالتسويق الشبكى، وهو فى القانون نشاط إجرامى لاحق لنشاط جمع مال بطرق غير مشروعة، وخوفا من المساءلة عن مصدر الأموال كان لزاما إضفاء مشروعية على هذا المال حتى يسهل التعامل معه من دون إضفاء الشكوك والأدلة القانونية على الأعمال الجرمية.
وأرجع رجال القانون مخالفة هذه المعاملة لشرطين من شروط صحة المعاملات المستحدثة وهما:
1 ــ اشتراط حفاظ المعاملة على اتزان السوق، وهو الشرط الذى من أجله حرم الشرع الشريف الاحتكار، مما يجعل هذه المعاملة ذات تأثير سلبى على السوق.
2 ــ تحقيق مصلحة المتعاقدين؛ حيث إن مصلحة المشترى المسوق تزيد نسبة المخاطرة فيها بشكل واضح نتيجة صعوبة تحقق شرط العائد المادى للتسويق.
• ممنوع فى أمريكا وإيران..
• ومحرم فى الدول العربية.. وغياب رقابى وقانونى فى مصر.
ظهر التسويق الشبكى أول ما ظهر فى أمريكا عام 1945، وكان كارل روهينبرج أول شخص بدأ طريقة التعويض ليسوق لمنتجاته الغذائية، فى عام 1994، اصبح يملك 4.7 بليون دولار، ثم منعته أمريكا ووضعت قوانين لمنع التعامل بنظام التسويق الهرمى، معتبرة انه مدمر للاقتصاد.
أما ايران فقد اتهمت احدى شركات التسويق الشبكى المعروفة «كيو نت» بأنها تسببت فى خروج نصف مليار دولار خارج البلد.
انتشر التسويق الشبكى بعد ذلك فى عدة دول عربية قبل عشر سنوات، ثم منعته بعض الدول لتأثيره على اقتصادها خاصة أن كبار العلماء أكدوا مخالفته للشريعة الاسلامية، ومعاقبة من يخالف القانون، ومنها السعودية، والسودان، والجزائر، والكويت، وتركيا، استنادا إلى فتاوى محرمة تفيد بتحريم التسويق الشبكى تحريما قاطعا.
أما دار الافتاء المصرية فقد أيدت فتواها بتحريم التسويق الشبكى بعدد من الأسباب منها:
أنه فى حقيقته أكل لأموال الناس بالباطل؛ لأن برنامج التسويق الشبكى لا ينمو إلا فى وجود من يخسر لمصلحة من يربح، ودون الخسارة اللازمة للمستويات الأخيرة لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للمستويات العليا التى هى مقصود البرنامج.
أنه من الميسر والقمار، فهدف أعضاء التسويق الشبكى هو الاشتراك فى التسويق وليس المنتجات، فالذى يدخل فى برنامج التسويق الشبكى يدفع مبلغا من المال فى منتج غير مقصود فى الحقيقة مقابل الحصول على عمولات الراجح عدم تحققها، ذلك أن نجاح العضو المسوق فى توفير ستة مشترين ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره أمر مشكوك فيه.
ثم إن قيمة العمولات التى يحصل عليها المسوق نظير تسويقه وفق نظام الشركة أضعاف أضعاف قيمة المنتج الذى يشتريه المشترك، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به البائع إلا إذا كانت العمولات قد تحصل وقد لا تحصل، ومن يحصل عليها يكون على حساب من جاء بعده ممن سوق لهم منتجات الشركة.
أنه من الربا؛ لأن حقيقة البرنامج مبادلة نقد بنقد، والمنتج تابع غير مقصود أصالة، فالعضو فى التسويق لم يشتر المنتج إلا من أجل الحصول على العمولات التى تزيد قيمتها على قيمة المنتج بأضعاف مضاعفة، فتكون المعاملة عبارة عن نقد مبذول من قبل العضو مقابل عمولات تزيد عادة على ما دفعه، وقد توسط منتج الشركة فى هذه المعاملة غطاء لتلك المبادلة، وهذا وجه كونها من الربا.
أنه يعد من صور الغش والاحتيال التجارى، وهو لا يختلف كثيرا عن التسويق الهرمى الذى منعت منه القوانين والأنظمة، فالتسويق الشبكى كالهرمى يجعل أتباعه يحلمون بالثراء السريع، لكنهم فى الواقع لا يحصلون على شىء؛ لأنهم يقصدون سرابا، بينما تذهب معظم المبالغ التى تم جمعها من خلالهم إلى أصحاب الشركة والمستويات العليا فى الشبكة.
وأما القول بأن هذا التعامل من السمسرة، فهذا غير صحيح لان السمسرة عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، أما التسويق الشبكى فإن المشترك هو الذى يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها السلعة حقيقة، بخلاف التسويق الشبكى فإن المقصود الحقيقى منه هو تسويق العمولات وليس المنتج، ولهذا فإن المشترك يُسوّق لمن يُسوِّق، هكذا، بخلاف السمسرة التى يُسوق فيها السمسار لمن يريد السلعة حقيقة، فالفرق بين الأمرين ظاهر.
الرابط الأصلي للمقال
0 التعليقات
إرسال تعليق